أخبار

“التعليم رسـالة لا تَسَـلُّط: قواعـد إنسانيـة وقانونيـة للمراقبـة في الامتحانات” 

التعليم رسـالة لا تَسَـلُّط: قواعـد إنسانيـة وقانونيـة للمراقبـة في الامتحانات” 

 

بقلم: دكتور احمد همام المطعني

عضو الأمانة المركزية لحزب الجبهة الوطنية 

عضو هيئة تدريس القانون الجنائي

تُعَدُّ فترةُ الامتحانات من أكثر الفترات ضغطًا نفسيًا على الطلاب؛ إذ تتراكم المسؤوليات الدراسية، ويتصاعد الخوف من الرسوب أو من عدم تحقيق التقديرات المرجوّة. وفي مواجهة هذه الضغوط، يتحمّل المراقب أو القائم بأعمال الامتحان مسؤولية مزدوجة: من جهةٍ ضمان سير امتحان نزيهٍ وعادلٍ يخلو من الغشّ، ومن جهةٍ أخرى المحافظة على نفسية الطالب وحقوقه وحريّته الشخصية. في هذا المقال، سنتناول آليات التعامل مع الطلاب أثناء الامتحانات، مع تسليط الضوء على النقاط الآتية:

1. مفهوم الرقابة في الامتحانات بين التطبيق السليم والتسلط المرفوض.

2. الأسس القانونية التي تُنظِّم سُبُلَ المراقبة والتفتيش أثناء الامتحانات، مع الإشارة إلى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية المصريين، وأحكام القضاء ومواقف الفقهاء.

3. الجوانب النفسية والإنسانية: توفير سبل الراحة والدعم المعنوي، مع التأكيد على أن المراقبة لا تعني القسوة أو البحث عن مواطن عورات الطالب.

4. سُبُلُ التواصل الفعّال بين المراقب والطلاب، وكيفية بناء علاقة ثقةٍ تُقلِّل من احتمالية اللجوء إلى الغشّ.

5. مقارنةٌ بنُظُمِ الامتحانات والمراقبة في بعض الدول المتقدمة (اليابان، أوروبا، الولايات المتحدة) لاستخلاص الدروس المستفادة.

6. استنتاجات وتوصيات تهدف إلى توفير بيئة امتحانية متوازنة، تحقق الهدف التربوي والتعليمي الأسمى وفق رؤية مصر 2030.

أولًا: الرقابة في الامتحانات بين التطبيق السليم والتسلط المرفوض

1. مفهوم الرقابة وأهدافها

الرقابة أثناء الامتحانات تعني متابعة سير الامتحان وفق ضوابطٍ محددة تضمن تحقيق أربعة أهداف رئيسية:

التحقّق من تطبيق تعليمات الامتحان: كالتزام كل طالب بالمكان والمادة المقرّرة والوقت المخصص.

منع عمليات الغشّ ووسائله: سواء كانت ورقية أو إلكترونية أو شفهيّة.

حماية حقوق الطلاب الأبرار: فوجود مراقبة صارمة يضمن ألا يستغلّ طالبٌ وقته بصورةٍ غير مشروعة على حساب آخرين.

الحفاظ على كرامة الطالب: بمعنى ألا تتجاوز الرقابة حدودَ البحث المعقول المسموح به قانونيًّا وأخلاقيًّا.

2. التسلط عند المراقب: أسبابه ومظاهره

يؤدي شعور الطالب أن المراقب «يتحرّش» به بالنظرات أو الكلام أو بأفعال (مثل التفتيش الشخصي العميق بلا مبرر) إلى ما يلي:

إثارة القلق النفسي: فيزيد لدى الطالب الإحساس بأنه مستهدفٌ بشكل غير عادل، مما يؤثِّر سلبًا على تركيزه.

انعدام الثقة بين الطرفين: فيرى الطالب أن المراقب لا يثق فيه حتى لو كان الطالب جادًّا في الامتحان.

خروج الرقابة عن روحها التربوية: فتصبح مقرونة بمنتهى التحريض على الشعور بالظلم والكراهية تجاه المراقب والمؤسسة التعليمية.

مظاهر التسلط المرفوضة:

1. التفتيش الجسدي الذاتيّ الإلزاميّ القسري: دفع الطالب إلى تفتيش نفسه داخليًّا أو السماح للمراقب بتفحّص بدلته وملابسه بعمقٍ مبالغٍ فيه، حتى لو لم يكُن بحوزته وسائل غشّ.

2. الإهانات اللفظية: كأن يُقال للطالب: «حاسس إنك غشاش وبستنى اللحظة المناسبة»، أو «ملابسك مش مضبوطة أكيد فيها ورق».

3. التدقيق المبالغ فيه في مظهر الطالب: مثل تفتيش الأحذية بقوّة، أو طلب إفراغ جيوب العبدين والبحث عنها بلا مبرر واضح.

4. مراقبة الطالب بحذافيره طوال الوقت: حتى أثناء توزيع الأسئلة يُلاحَظ كل تحرّك؛ فيشعر وكأنه «تحت المجهر» لساعات طويلة.

هذه الممارسات غالبًا ما تخالف القواعد القانونيّة والأخلاقية، وتنفي عن المراقبة غايتها التربوية التي تتجلّى في تأمين حقّ الطلاب أنفسهم في امتحان عادل.

ثانيًا: الأسس القانونية للرقابة والتفتيش أثناء الامتحانات

للرقابة أثناء الامتحانات أبعادٌ قانونيةٌ محددةٌ يحدّدها القانون المصري. نلخص بعضها فيما يأتي:

1. القواعد العامة في القانون المصري

1. قانون العقوبات (الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937)

لم يُنظِّم قانون العقوبات المصري القائم بعموميته مسألة الغشّ في الامتحانات الجامعية بصورةٍ خاصة. لكنه تناول جريمة الغشّ المتعلقة بالشهادات الرسمية في إطار:

إصدار شهادة بغير حقّ: إذا قام شخصٌ بإدخال بياناتٍ زائفة في امتحان أو تزوير ورقة الإجابة بقصد الحصول على شهادة أو تقدير معين (مسألة تندرج تحت جريمة التزوير).

الغشّ في الامتحانات الجزئية أو المؤقتة: من قبيل تمرير ورقة جواب إلى طالب آخر أو استعمال وسائل إلكترونية، وما إلى ذلك.

أحكام مقترنة: على سبيل المثال، المادة (336 مكرّرًا) تتحدث عن تزوير إيصالات أو كشوفات رسمية بهدف حصول الطالب على منافع.

العقوبات المحتملة: تتراوح بين الحبس البسيط وشهرين/سنة، وفقاً لخطورة التزوير وتأثيره على المصلحة العامة.

2. قانون الإجراءات الجنائية (الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950)

التفتيش الشخصي: لا يجوز لأحدٍ، بمن فيهم المراقبون، إجراء تفتيشٍ شخصيٍّ ذاتيّ (فتشٌ عميقٌ يطال ألبسة الطالب وجسده) لغرض العثور على أدوات غشّ، إلّا بحُكمٍ قضائيّ أو إذن نيابيّ (§المادة 36 و37 من قانون الإجراءات الجنائية).

التفتيش الإداري (الوقائي): وهو تفتيشٌ مبسّطٌ يجرِي عند المداخل الجامعية أو أبواب قاعات الامتحانات؛ يهدف إلى التأكد من عدم إدخال كتب خارجية أو الهواتف أو أي وسيلة غشّ. ويجوز إجراؤه من قِبل أمن الجامعة أو الشرطة الإدارية دون إذنٍ قضائيّ، بشرط ألّا يقتضي اقتلاع حواجز جسديةٍ أو لمس مناطقٍ خاصةٍ في جسد الطالب.

ضماناتُ الطالب: يحظر القانونُ إخضاع الطالب لأي تفتيش عميقٍ يتجاوز حدود الألبسة الخارجية، وما لم يتمّ الإذن به قضائيًّا.

3. القانون رقم 49 لسنة 1972 (قانون تنظيم الجامعات وتعديلاته)

تنصّ لائحةُ تنظيم الجامعات ولوائحُ الكليات على صلاحيّاتٍ واضحةٍ لعميد الكلية والمجلس العلمي في تحديد إجراءات المراقبة والجزاءات.

تُعطي حقَّ اتخاذ التدابير التأديبية لمجلس تأديب الطلاب عند ثبوت تهمة الغشّ، مع مراعاة الإجراءات المنصوص عليها فى لائحة الجامعة.

كما تؤكد هذه اللوائح على «احترام كرامة الطالب» أثناء المراقبة، وأن لا يتضمّن الفحص ما يؤدي إلى إهانته أو انتهاك خصوصيته.

2. أحكام القضاء المصري ذات الصلة

حكم مجلس الدولة (تاريخ 12/4/1998) بشأن دعوى طالبٍ طعن في جزاء الغشّ الذي وقّعه عليه مجلس تأديب الجامعة: قضى بأن اتخاذ عقوبة الفصل على طالبٍ ثبُت أنّ نيّته كانت مجرد الوقوف على الإجابة الصحيحة من زميلٍ، دون أن يستخدمها، يُعدّ تعسفًا في استعمال سلطة مجلس التأديب. وأكدت المحكمة ضرورة إثبات الفعل الفعليّ لا مجرد النيّة المبيتة إذا تلفّت عن ارتكاب الفعل.

حكم محكمة النقض (رقم 123 لسنة ٨٧ ق جلسة ٢٠١٠/٩/١٤): أشار إلى أنّ المراقب لا يَحوز له حرّية تفتيش الطالب تفتيشًا ذاتيًا متعمّقًا إذا لم يكن هنالك دليلٌ قاطعٌ على امتلاك الطالب وسائل غشّ.

حكم المحكمة الدستورية العليا (الطعن رقم 47 لسنة 10 قضائية 1995): ألغى قرارًا جامعيًّا فرض تفتيشًا كاملًا للطلاب دون سندٍ قانونيّ، واستندت المحكمة إلى مبدأ «حُرّمَ تعريضُ إنسانٍ للتفتيش الذاتي القسري دون مبرر قانوني».

3. آراء الفقهاء والباحثين في المجال التربوي والقانوني

الدكتور عبد الرحيم مصطفى (فقه الحدود والعقوبات): يرى أن غاية الرقابة في الامتحان «أمنيّة بحتة» للحفاظ على نزاهة الشهادة، ولكن لا يجب الاستهانة بـ«كرامة الطالب» وإلّا يُصبح هناك تعدٍّ على حقوقٍ محترمةٍ بالقانون والشرع.

الدكتورة إيمان فؤاد (أستاذ علم النفس التربوي): تؤكد أهمية «التوازن بين ضبط الانضباط التربوي والاهتمام بسلامة الطالب النفسية»، مستدلةً بأن الضغوط الكبيرة أثناء الامتحان قد تؤدي إلى أضرارٍ صحية عقلية وجسدية لا تُحمَل.

الدكتور صلاح العزب (فقه الإجراءات الجنائية): يشرح بأن التفتيش الإداري يُجيز حالةَ الوقوف على المدخل وتفحّص حقيبة الطالب يدويًّا أو الكشف بالمجسّات المعدنية، أمّا التفتيش الذاتي فيقتضي إذنًا قضائيًّا.

من وجوه الاتّفاق بين الفقهاء أن أيّة إجراءات مخالفة لقانون الإجراءات الجنائية أو لتوجيهات الجامعة ولوائحها تُبطل نتائج التوقيع أو الإجراءات المسندة، وإذا شُخّص الطالب خطأً، يجب أن تعاد له حقوقه بالكامل.

ثالثًا: البعد النفسي والإنساني للطالب أثناء الامتحان

1. الحالة النفسية للطالب: مزيج من القلق والحافز

عندما يدخل الطالب قاعة الامتحان، يكون معرضًا إلى ضغوطٍ نفسية متعددة:

خوفًا من الرسوب أو تحقيق نتيجةٍ دون مستوى التوقعات.

التذكّر المستمر لما درّسه طوال الفصل أو السنة الدراسية.

الشعور بالمنافسة أمام زملائه.

مسؤوليّة الأسرة والمستقبل المهني.

 وعليه، يجب على المراقبين أن يُدركوا أن بعض الطلاب قد يدخل القاعة وهو نادمٌ على نيّة غشّ سابقًا وتراجع عنها، أو يكون مريضًا أو في حالة حزنٍ عميقٍ (وفاة أحد الأقارب، مشكلة أسرية، ضغط مادي).

> مثال واقعيّ: دخلتُ قاعةَ امتحان لأجد طالبًا يذرف الدموع خلسةً؛ استرعاني منظرُه فطرّيته على السؤال: «هل أنت بخير؟ هل من متاعب؟» فأجابني بأنَّ والدته دخلت المستشفى منذ ثلاثة أيام وهو لم يستطع زيارةِ أُخَر امتحاناته خوفًا من الأنظمة الجامعية. لقد كان تأكيدُ الحنان والإنسانية السبب في أنّ الطالب أكمل امتحانه بدقائقٍ أفضل مما لو تركته بمفرده وسط جحيم الضغوط.

 المستويات النفسية

1. لغةُ المراقب: الابتسامة الهادئة، والنداء بأدب («حضرتك» بدلًا من «أنت»)، واستعمال التعابير الدافئة بدلًا من العبارات القاسية.

2. النظر برفقٍ واختصار: مراعاة النظر في عيني الطالب قليلاً للتأكد من صحته دون حشرِه، ثم توجيه النظر إلى الورقة أو التركيز.

3. التفهّم في حالات خاصة: عند ظهور طالبٍ متوترٍ جدًا أو مصابٍ بنوبة صرعٍ أو إغماءٍ بسيطٍ، لا يُمنع من مغادرة القاعة مؤقتًا للاطمئنان على صحته.

4. الكلمة الطيبة والتشجيع: وثّق أصحابُ التقديرات العالية أنّ جملةً بسيطة من المراقب قبل بدء الامتحان مثل «إن شاء الله تندمجوا بالنجاح وتأدُّوا أحسن ما عندكم» كانت حافزًا نفسيًّا يدفعهم للتركيز أكثر.

> فائدة تربويّة: عندما يشعر الطالب أنّ وراء كومة الورق إنسانًا يسعى لدعمه، فإنه يقلّل من احتمال البحث عن وسائل غشّ؛ لأن الغشّ في جوٍّ إنسانيّ دافئٍ يتنافى مع رغبة الطالب في إثبات ذاته المشروعة.

رابعًا: سُبُلُ التواصل الفعّال بين المراقب والطلاب

1. قبل الامتحان: وضع قواعد واضحة ومتفق عليها

1. الإعلان المسبق عن الإجراءات: تُعلَن الإجراءات بوضوح (ماذ يُسمح بإدخاله إلى القاعة، وكيفية توزيع الأسئلة، ووقت الانصراف).

2. إقامة ورشٍّ قبْلية للطلاب: يوضّح فيها المسؤولون طريقة عمل أجهزة الكشف («الماسحات المعدنية») وغرضها الوقائي، وليس العقابي.

3. إعطاء مساحة للسؤال: فتحُ خطٍّ هاتفيّ أو بريدٍ إلكترونيّ لاستقبال استفسارات الطلاب عن ظروف الامتحان.

2. أثناء الامتحان: لغة الإشارة والتوجيه الهادئ

1. الإمام الهادئ: بدلاً من الكلام العالي، يمكن للمراقب استخدام إشاراتٍ بسيطة لتوجيه الانتباه إلى طالبٍ يحاول الغشّ (رفع السبابة في وجهه مثلاً).

2. التنقل بهدوء: السير بوتيرة ثابتة بين المقاعد مع النظر السريع إلى جانبَي الطالب، بعيدًا عن تركيزِ المراقبة على وجهة واحدة طوال الوقت.

3. التعامل مع الشبهة بهدوء: إذا ظهر شكّ في طالبٍ معين:

يُسأل بلباقة: «حضرتك في حاجة؟» أو «هل تبحث عن ورقة معينة؟»، وينتظر رده بهدوء.

إن أثبت الطالب أنه يريد سؤالًا عن شيءٍ في الورقة، يُقدِّم المساعدة دون توجيه الاتهام مباشرة.

3. بعد الانتهاء من الامتحان: التقييم والتغذية الراجعة

1. السماح بانصراف الطالب في وقتٍ منظّم: يمنع التدافع، ويفضل توزيع أكثر من مدخل/مخرج صغير لتسهيل الانسيابية.

2. تلقي الشكاوى والملاحظات: فتح سجلٍّ بالملاحظات لتدوين شكوى طالبٍ من أسلوب الرقابة، ثم تُدرس الشكوى بموضوعية عقب وصول الدرجة النهائية.

3. التغذية الراجعة: إبقاء القنوات مفتوحة أمام الطلاب لتلقي نصائح بشأن تحسين الإجراءات في المرات القادمة، لضمان مشاركة الطلاب في بناء الإجراءات.

خامسًا: السبل القانونية المباحة لمنع الغشّ دون تعدٍّ على خصوصية الطالب

1. التفتيش الإداري والوقائي (Joinder بين دور الجامعة والأمن الإداري)

يُجرى عند أبواب الكليات قبل دخول القاعات:

1. استخدام الماسحات المعدنية (مثل بوابات «كواشف المعادن») للكشف السريع عن الأدوات الممنوعة (هواتف محمولة، سماعات بلوتوث، أو أوراقٍ صغيرة).

2. مفتّشون جامعيون: يطلَب من الطالب إفراغ جيوبه فقط، دون تحسسٍ عميقٍ للجسد.

3. تفتيش الحقائب (إن وجدت): لكن يُمنع فتح الجيب الداخلي للبليزر للبحث في ما يستره عن طريق «تفتيشٍ عميق».

الأساس القانونيّ: إذ سمح قانون الإجراءات الجنائية (المواد 36 و37) بالتفتيش الإداري إذا كان يهدفُ «حفظَ الأمن والنظام» داخل مقرات الدولة، شريطة ألّا يُطال الخصوصيات النفسية أو الجسدية للموظف أو المواطن.

2. حظر التفتيش الذاتي (التفتيش العميق للقسم الداخلي من الملابس)

التفتيش الذاتي: يكون بإرغام الطالب على خلع بعض ثيابه الداخلية أو تفتيش التجويف الداخلي للجسم، وهو محظور قانونيًّا إلا بإذن نيابيّ أو بأمر قضائي.

الضمانة القانونية:

القانون رقم 150 لسنة 1950 (قانون الإجراءات الجنائية) اشتراط الحصول على إذن من النيابة العامة قبل تنفيذ أيّ تفتيشٍ ذاتي.

حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه آنفًا.

3. الجزاءات المقرّر اتخاذها عند ضبط غشّ فعليّ

اللائحة التأديبية لكل جامعة أو كلية تحدّد أنواع الغشّ والعقوبات المقابلة (الإنذار، الخصم من الدرجة، الرسوب، وعزله مؤقّتًا أو نهائيًا).

الضمانات الإجرائية:

1. لا يجوز إعلان نتيجة الاختبار للطالب قبل إبلاغه رسميًّا بالاتهام ومنح حقّه في الدفاع.

2. يُشكّل مجلس تأديب برئاسة عميد الكلية، بعضوية ثلاثة أساتذة، وطالب ممثّل للطلاب، للاستماع إلى أقوال الطالب.

3. يُوثّق كلّ ما حدث بالتقارير المكتوبة، ويُعلَن للطالب حقه في الاستئناف أمام مجلس تأديب أعلى.

> نقطة محورية: إذا تبيّن أن الطالب كان ينوي الغشّ لكنه «تراجع بإرادته قبل بدء الامتحان»، فلا يملك المراقب حقّ إخضاعه لتفتيش عميق للاعتقاد بأنه يحوي وسائل غشّ «حتى وإن وجده لم يستخدمها»، لأن الفعلَ لم يُحسم بعد ولم يحدث غشٌ، وقد انعكست إرادة الطالب وتُبرِّئه من المسؤولية. وهذا نسق قوانيّ يصون حقّ الطالب في «التراجع الاختياري» دون مساءلة بالمعايير الجنائية أو تأديبية. يُضاف إلى ذلك قاعدةٌ شرعيةٌ إنسانية تحثُّ على «تقبّل التوبة والندم» ما دامت نيّة الطالب قد اتّجهت للحقّ قبل الفعل.

سادسًا: مقارنةُ نظم التعليم والامتحانات في الدول المتقدمة

1. اليابان: ثقافةُ الثقة والاحترام المتبادل

نظام الأونر كود (Honor Code): في بعض الجامعات اليابانية (وخاصة التي تتبع نموذج الجامعات الأمريكية)، يُفترض بأنّ الطالب «شريفٌ» ولا يلجأ للغشّ، وإذا ثبت الغشّ، فالعقوبة تكون حرمانه من التخرج.

تجهيزٌ نفسيّ قبل الامتحان: يتم تنظيم ورش عمل حول «التعامل مع التوتر والقلق»، و«تقنيات الاسترخاء»، ويتم إتاحة مرشدين نفسيين في مراكز الإرشاد الطلابي.

تفتيشٌ محدودٌ وممنهج: يعتمدون أكثر على مسحٍ سريع للجسد عند النقاط الحرجة، ولكن لا يستهدفون الطالب شخصيًّا إلّا إذا ظهرت شبهات قاطعة.

الدروس المستفادة لِمَن يُريدُ تحسين نظام الرقابة:

التربيةُ على الثقة والمسؤولية الطلابية من بدايات الدراسة، فالطالب في اليابان يتعلّم منذ المدرسة الابتدائية ألا يغشّ بل يعاقب بالمقصّة الصغيرة (اقتطاع علامة بسيطة) ويحاول اصلاح نفسه دون إحراجه أمام زملائه.

توفر الإمكانات النفسية (مستشارين نفسيين) يُقلّل من الشعور بالحاجة للغشّ كملاذٍ من الضغط.

2. أوروبا (نماذج متباينة بين الدول)

المملكة المتحدة (نموذج الأونرائها “Honor Codes”):

تعتمد بعض الكليات على “أمانة شرف الأكاديمي” (Academic Integrity Policy) بحيث يُوقِّع الطالب في بداية العام على أنه لن يغشّ.

في حال وقوع غشّ، يُحال الطالب إلى لجنة أكاديمية مكوّنة من أساتذة تُصدر توصيتها بالفصل إذا كان الغشّ جسيمًا.

تفتيشٌ إلكترونيّ: تُستخدم كاميرات تعمل بالذكاء الاصطناعي لتصوير القاعة كامِلة، وترسل تنبيهاتٍ فوريةً للمراقب إذا ظهر تحرّكٌ مريبٌ.

ألمانيا:

تتيح للطلاب «منطقة صمتٍ وتفرّغ» (Pensumruhe) قبل الامتحان للاطّلاع على جميع مواد المقرر بمساعدة معيدين أو مرشدين.

يمنع دخول الهاتف الذكي لجميع القاعات؛ يُطلب من الطالب تسليمه عند الباب واستلامه بعد الانتهاء.

التفتيش ميداني محدود: يعتمد على اتفاق الأهل والأجهزة المعنية لأخذ عينات عشوائية في بعض المقرّات، لكنّه في العموم لا يتجاوز حدودَ تفتيش الحقيبة.

فرنسا:

في الصفوف الثانويّة، تستخدم أقنعة على الكاميرات لتصوير كل طالبٍ على حدة في قاعةٍ مظلمةٍ نسبيًّا؛ ما يجعل الطالب يركّز على ورقته فقط ويتجنّب اللجوء لغشّ النظر إلى زميله.

تُعوَّض آلية التزوّر بالأبعاد الأخلاقية: يقيمون ندواتٍ حول «قيم الشرف والنزاهة» ابتداءً من المراحل الأولى.

3. الولايات المتحدة: تنويع الوسائل والتركيز على الدعم النفسي

نظام الأونر كود (Honor Code) شائعٌ في جامعات Ivy League وبعض الكليات الكبرى؛ وهو يشمل:

1. عقوبة حرمان من التخرج لأي طالب يُثبت فعلاً غشًّا ماديًّا أو معنويًّا.

2. لجنة عقد نزاهة تضمّ طلابًا وأساتذةً ونائب الرئيس للشؤون الأكاديمية.

3. إجراءاتُ الشكوى والتأديب شفافة: يُتاح للطالب المُتهم استئناف القرار أمام لجنة أعلى.

التركيزُ على الإرشاد والدعم النفسي: معظم الجامعات لديها مركز نفسيّ يشرف عليه أخصائيون نفسيون، ويُعطون جلسات مجانيّة إذا شعر الطالب بالضغط.

كاميرات مراقبة ومكافحة الغش: معدل اللجوء للتكنولوجيا عالٍ، وفي بعض القاعات لا يُسمَح باستخدام الهاتف تمامًا، ويُجرى فحص للملفات قبل تسليمها.

سابعًا: توصيات واستنتاجات وفق رؤية مصر 2030

تسعى رؤية مصر 2030 إلى بناء إنسانٍ مصريٍّ متمكّنٍ علميًا ونفسيًا، قادرٍ على المنافسة الإقليمية والعالمية. لتحقيق ذلك، لا بدّ من:

1. إعادة صياغة ثقافة الامتحان في الجامعات المصرية اعتمادًا على مبادئ الثقة والمسؤولية، لا الرعب والخوف فقط.

اعتماد إقرار شرفي يوقعه الطالب في بداية كل عامٍ دراسيٍّ بعدم اللجوء إلى الغشّ، مع تحذيرٍ واضحٍ من الجزاءات، يعزز قيمة النزاهة.

تنظيم ورش عمل دورية للطلاب حول «التحديات النفسية في الامتحانات» و«أساليب المكافحة الذاتية للتوتر».

2. تدريب المراقبين أُكاديميًّا وسلوكيًّا:

إمّا من خلال دورات تدريبية على مهارات «التواصل الهادئ» و«التعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والظروف الخاصة» (كالحالات المرضية أو النفسيّة أو الاجتماعية الصعبة).

دورات قانونية للتعرّف على حدود السلطة القانونية للمراقب، لضمان عدم الانزلاق نحو «التفتيش الذاتي المرفوض قانونيًا».

3. تطوير البنية التحتية للقاعات الامتحانية:

تحسين الإضاءة والتهوية، وإضافة مقاعد مُريحة.

تفعيل العيادة الجامعية خلال فترة الامتحانات لتقديم الإسعافات الأولية والاستشارات النفسية.

4. تفعيل دور المستشارين النفسيين والاجتماعيين:

وجود فردٍ مختص في كلِّ مبنى امتحاني للاستماع إلى شكاوى الطلاب النفسية أو المرضية الطارئة.

ربط حالات إسعاف الطالب المريض بنظامٍ تلقائي يسمح له بتحويل امتحانه إلى امتحان زائد دون جزاء، إذا كانت الحالة حرجة.

5. تحديث اللوائح الجامعية لتتواكب مع المعايير الدولية:

إدراج بندٍ صريحٍ في لائحة تأديب الطلاب بأن «التفتيش الإداري» لا يشمل الحق في التفتيش الذاتي العميق، وأنه في حالات الشكّ الشديد يُقدَّم تقرير للمجلس التأديبي لاتّخاذ الإجراءات وفق القانون.

توحيد الإجراءات بين كليات الجامعة ليشعر الطالب بالعدالة، وعدم وجود تباينٍ في العقوبات والإجراءات الميدانية.

6. رفع وعي أولياء الأمور وأعضاء هيئة التدريس:

التوعية بمخاطر الضغط النفسي الزائد على الطالب أثناء الامتحانات، وأن المراقبة ليست تحيّزًا يتجاهل وضع الطالب الحياتي.

إقامة لقاءات توعوية تجمع أولياء الأمور والأساتذة والمشرفين على الامتحانات لعرض جوانب تحسين جوّ الامتحان وتخفيض منسوب الخوف.

خاتمة

إنّ إيجاد البيئة الامتحانية المثلى يتخطّى مجردَ تطبيق الإجراءات المادية والقانونية؛ فهو يرتكز على روحٍ تربويةٍ وإنسانية تُراعي حالة الطالب النفسية والاجتماعية، وتفهم ضغوطاته الحقيقية.

إن الرقابة بمعناها الصحيح ليست قمعًا ولا تسلطًا، ولكنها التزامٌ بمبدأ العدالة والحفاظ على نزاهة الشهادة، وفي الوقت ذاته الالتزام بقيم الكرم والرفق بالطالب.

يجوز للمراقب أن يطلع على محتويات حقيبة الطالب ويفحص جيوبه الخارجية في نطاق «التفتيش الإداري» لأغراض الوقاية، ويمنع من الإضرار بخصوصياته الجسدية، فلا يجوز بحث جيوبه الداخلية أو التفتيش الذاتي العميق دون إذن نيابيّ أو قضائيّ، خاصةً إذا كان الطالب قد عدل عن نيّته السابقة في الغشّ.

ينبغي لنا أن نستفيد من تجارب اليابان وأوروبا والولايات المتحدة في بناء ثقافةٍ جامعيةٍ ترتكز على الثقة وتدعيم الجوانب النفسية، لا الاقتصار على الإجرائية الشكلية، حتى نضمن جودة التعليم وحقوق الطلاب في آنٍ واحدٍ.

في ضوء رؤية مصر 2030، فإنّ الاستثمار في «الإنسان المصري» يشمل الارتقاء بمنظومة الامتحانات، بحيث تُعَدُّ تجربةً يُخرِجُ منها الطالب مزيدًا من الثقة بالنفس، لا مزيدًا من الخوف والضغوط التي قد تصيبه بأذى نفسي يسجل عليه عقودًا.

وفي النهاية، فإنّ احترام كرامة الطالب وصون حقوقه أثناء الامتحانات ليس ضعفًا ولا تساهلًا، بل قوّة حضارية وتربوية تعكس مدى تطوّر المنظومة التعليميّة. فالطالب الذي يشعر بالأمان والاحترام سيؤدي امتحانه بإتقان، ويكون مستعدًا ليكون عضوًا فاعلًا، ومساهمًا في بناء مستقبل مصر، وفق معايير العدل والنزاهة والرحمة التي جاء بها ديننا الحنيف، ومواكبةً لأرقى التجارب التعليمية العالمية.

والله الموفق لما يحبه ويرضاه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى