الطار في الصعيد مسلسل دم لا ينتهي
كتبت : ماري صبري
أهم جرائم الثأر التى وقعت فى الصعيد خلال السنوات الماضية، وأسبابها والأسلحة المتراكمة لدى عائلات وقبائل الصعيد.
في عام 2002 بقرية بيت علام بمركز جرجا حدثا مذبحة ثأرية وقعت أحداثها في محافظة سوهاج بين عائلتي عبد الحليم والحناشات بدأ مسلسل الثأر بين العائلتين في عام 2001 عندما قتل محمد يوسف العدال من عائلة الحناشات في مشاجرة بين العائلتين وإتهم في مقتله ابوالفتوح عبد العال من عائلة عبد الحليم وقضت محكمة الجنايات ببراءته لعدم كفاية الأدلة وفشلت مساعي الصلح بينهما.
في إبريل 2002 قام حلمي أحمد ومحمود السمان من عائلة الحناشات بالتربص للمدعو همام عبد الحليم عميد عائلة عبد الحليم ونجله شوكت وأمطروهما بوابل من الرصاص أخذا بثأر قريبهما مما ادي لمقتل الأب واصابة الابن وتم القبض عليهما وإحيلا الي محكمة الجنايات محبوسين.
في أغسطس 2002 وعندما توجه 25 من أقارب المتهمين الي سوهاج مستقلين سيارتين لحضور جلسة محاكمتهما فوجئوا بتربص أبناء عائلة عبد الحليم وسط ذراعات الذرة علي طريق قرية بيت علام وأمطروا السيارتين بوابل من الرصاص الكثيف مما تسبب في قتل 22 منهم واصابة 3 آخرين فيما سمي في ذلك الوقت «بمذبحة بيت علام»
تم القبض علي 19 متهما من عائلة عبد الحليم واحالتهم الي محكمة الجنايات التي قضت في يونيو 2003 بالإعدام شنقا لعدد 6 من المتهمين وتم تنفيذ الحكم عليهم. والاشغال الشاقة المؤبدة لعدد 6 آخرين. توفي اثنان منهم داخل السجن. وبراءة 3 متهمين في وقائع القتل والشروع في قتل والاشغال الشاقة المؤبدة لعدد 4 متهمين في واقعة حيازة اسلحة وذخيرة بدون ترخيص. وفي تلك الأثناء قتل أحد أفراد عائلة عبد الحليم بدولة الكويت واتهم في مقتلة أحد افراد عائلة الحناشات العاملين هناك
وفى مدينة قوص بمحافظة قنا، منذ عشرات السنين ارتدى 6 أشخاص من إحدى العائلات ملابس النساء، ونزلوا إلى السوق فى وسط النهار بعد أن أخفوا البنادق الآلية فى ملابسهم، وقتلوا 13 شخصا من عائلة خصومهم، فما كان من العائلة الأخرى إلا أن قتلتهم قبل أن يخرجوا من السوق.
وفى عام 1998 شهدت محافظة المنيا حادثة مفجعة، حيث تربصت إحدى العائلات لأفراد عائلة أخرى، أثناء خروجهم من صلاة الجمعة، ودارت معركة بالأسلحة الآلية والسكاكين، سقط خلالها 24 قتيلا من الجانبين والعديد من المصابين.
ويعد “عبد الفتاح .ع”، محافظ الجيزة الأسبق أبرز ضحايا الثأر فى مصر، فقد قتل الرجل داخل سيارته فى العام 1982 بنحو 72 طلقة رشاش، نتيجة ثأر بين عائلته وعائلة أخرى، ولم تتقبل أسرته العزاء طيلة أربع سنوات، حتى تدخل شيخ الأزهر آنذاك، ووزير الثقافة السابق للوساطة بين الطرفين، واضطر وزير الداخلية وقتها إلى إصدار أوامر اعتقال لأكبر عدد من أفراد العائلتين ومصادرة سلاحهما.
وتعد مدينة البدارى، التابعة لمركز أسيوط فى قلب الصعيد إحدى أكثر المدن التى تنتشر فيها الظاهرة.
وفى محافظة المنيا اشتهرت قرية الدير بسمالوط، بالعديد من حوادث الثأر، أبرزها ما حدث بين عائلتين بسبب التنافس على منصب “العمودية”، وبدأت منذ نحو 75 عاما، وبدأ الصراع بطعنة سددها أحد أفراد العائلة لشاب آخر بسبب مزاح بين شابين، تطورت إلى طعن أحدهما الآخر، ورغم حبس الجانى سنة، إلا أن الصراع ظل ممتدا بين الطرفين، وفشلت وسائل الصلح بين الطرفين، وسقط على إثر ذلك 12 قتيلا من العائلتين.
ويؤكد خبراء اجتماعيون، أن الثأر لا يسقط بالتقادم حتى لو ظل القاتل سنوات طويلة مختفيا أو خلف القضبان، ففى إحدى قرى البدرشين بالجيزة، قتل شابان شيخا فى السبعين من عمره ثأرا لوالدهم رغم مرور 50 عاما على مصرعه، وتكرر الأمر فى إحدى قرى محافظة المنيا، حيث أصرت الجدة على الثأر لولدها رغم مرور خمسين عاما على مقتله، قضى القاتل نصفها فى السجن.
ووقعت معارك بين محافظات مختلفة، مثلما حدث بين العرب والهوارة فى فترة الستينيات، واللتين تنتشران فى عدة محافظات وتقع الخصومة بين قرى بأكملها، وهو ما شهدته محافظتا سوهاج وقنا عام 1996 حيث اندلعت معارك بالرشاشات والأسلحة الآلية ما بين مركز أبو تشت الواقع غرب النيل، والتابع لقنا وبين قرى البلابيش التابعة لسوهاج، والتى توجد على الضفة الأخرى للنيل، وتكرر الأمر فى محافظة أسيوط بين قرية النواميس التابعة لمركز أبو تيج وقرية النخيلة الواقعة فى مركز البدارى.
وتشكل بعض العائلات ما يشبه “الجناح العسكرى”، حيث يشترون الأسلحة ويخفونها حتى تحين لحظة الأخذ بالثأر، فى حين يتولى التمويل أثرياء العائلة كما يقوم هؤلاء بالإنفاق على أسر من يقتلون أو يسجنون فى مسلسل الثأر الدامى.
ولا يعتبر أهالى الصعيد السجن بديلا عن الثأر، فالسجن فى نظرهم حق الدولة ولكن حقهم لا ينتهى إلا بالثأر.
وتلعب المرأة الصعيدية دورا مهما فى الأخذ بالثأر، فالمرأة ربما تكون مقهورة ومحملة بالكثير من الهموم والأعباء، لكنها تلعب دور الحارس على تلك التقاليد، وعلى رأسها الثأر، فالمرأة تكاد توهب حياتها بالكامل للثأر لأب أو زوج أو أخ أو ابن قتل غدرا، وتتصدى لأى محاولة من أفراد أسرتها للتهرب من “الدم”، وكثيرا ما تقدم على “حلق شعرها” بالكامل، فهى تستحث الرجال على أخذ الثأر
والمرأة لا تقف عند حد التحريض فقط، بل إنها فى بعض الأحيان تحمل السلاح، وهو ما حدث بالفعل فى إحدى قرى محافظة قنا حيث أقسمت امرأة اسمها “ليلى” من قنا على الثأر لإخوتها الثلاثة الذين قتلوا غدرا، خاصة أن أبناءها وأبناء إخوتها مازالوا أطفالا، وأصرت على أنها ستأخذه مضاعفا، وحلقت شعرها، وارتدت ملابس الرجال، وحملت مدفعا رشاشا، وانتقلت للإقامة فى الكهوف ووسط زراعات القصب، وظلت تراقب أعداءها سنوات طويلة حتى حانت اللحظة الحاسمة، وعلمت أن قاتلى إخوتها يستقلون سيارة ميكروباص لتأدية واجب العزاء بإحدى القرى، فانتظرتهم عند مدخل القرية، وأوقفت السيارة وطلبت من السائق النزول لأنه ليس من نفس العائلة، وحصدت 12 شخصا من خصومها.
ويرتبط الثأر بالسلاح المتوافر لدى عائلات الصعيد فمعظم أبناء الصعيد يجيدون استخدام السلاح، وهو ما ينطبق على نسبة كبيرة من النساء أيضا، وتكاد أفراح الصعيد أن تتحول إلى مظاهرة مسلحة، فالجميع يذهب حاملا بندقيته للمجاملة، كما أن تجارة السلاح من الأنشطة الرائجة فى الصعيد، ويأتى معظمها عبر الجبال وزراعات القصب، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الآلية والرشاشات.
ويرفض الصعايدة قبول الدية عوضا عن الثأر، ويعتبرون ذلك عارا وهى عادة قديمة، يقوم فيها المطالب بالدم بحمل ثوب من القماش على هيئة “الكفن”، ويذهب إلى منازل أصحاب الدم، ويقدم لهم الكفن ويتم نحر الذبائح إعلانا عن نهاية الخصومة وسقوط الثأر.
والمطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة فى الصعيد، فالأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء، فالإخوة غير الأشقاء، وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو إخوة، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء، والثأر فى الصعيد لا يلزم سوى أقارب “الدم” أى من ناحية الأب، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر، وإن كان الأمر لا يخلو من الدعم والمساعدة.
أما فيما يتعلق بمن يتم أخذ الثأر منه، فالأمر أكثر تعقيدا، ففى الغالب يتم استهداف القاتل باعتباره المسئول عن اندلاع الخصومة، ولكن فى بعض الأحيان تحرص بعض العائلات على قتل من يوازى فى أهميته وعمره رجلها المقتول، فإذا كان المقتول أحد كبار العائلة تم قتل من يساويه مقاما فى العائلة الأخرى، وإذا كان القتيل شابا يتم اختيار أحد شباب الخصوم، وفى كل الأحوال يتم الحرص على أن تقتصر دائرة الثأر على القاتل أو الدائرة الضيقة من أقاربه ممن يشتركون معه حتى الجد الخامس.
ويجمع مؤرخون على أن مصر عرفت الظاهرة مع هجرة القبائل العربية إليها عقب الفتح الإسلامى فى العام 20 هجرية الموافق 685 ميلادية، عندما نزحت القبائل العربية آنذاك إلى البلاد.
زر الذهاب إلى الأعلى