منوعات

محمود الدويك.. حين يصبح الشغف طريقًا لا مهنة

 

هناك أشخاص يعيشون داخل حدود ما تعلموه، وهناك من يخلقون لأنفسهم عوالم جديدة تتسع لكل ما يحبونه. من بين هؤلاء يبرز اسم محمود عيد صالح الدويك، الذي استطاع أن يصنع لنفسه مساحة فريدة تجمع بين الفن، والفكر، والمهنة، ليصبح أحد الوجوه الشابة التي تعيد تعريف معنى الطموح.

البداية من شغف لا يعرف الصدفة

من المسرح تبدأ الحكاية

 

منذ سنواته الأولى في بلدة الام ذات الكوم – القناطر الخيرية، لم يكن محمود الدويك يرى الفن مجرد وسيلة للظهور، بل وسيلة لاكتشاف الإنسان. كان التمثيل بالنسبة له مساحة للصدق، لا للأضواء، ومكاناً يعيد من خلاله صياغة المشاعر التي لا تُقال بالكلمات. بدأ مشواره على خشبة المسرح، ثم سرعان ما تطورت تجربته ليصبح ممثلاً ومخرجاً مسرحياً يمتلك رؤية خاصة في الأداء والإخراج، تجمع بين العمق والواقعية.

أسّس فرقة “فيوتشر آرت” المسرحية وتولى رئاستها، مقدّمًا من خلالها عروضاً حملت بصمته في الفكرة والتكوين والأداء. لم يكن المسرح بالنسبة له مجرد خشبة، بل مساحة للوعي والتأثير، وصوت لكل من لا يملك أن يُعبّر عن نفسه.

إلى جانب ذلك، اتجه لتأسيس ورش تدريبية في التمثيل، درّب خلالها عشرات الشباب على أدوات الأداء، والتعبير، والتحرر من الخوف أمام الجمهور. كان يرى أن التمثيل الحقيقي يبدأ من الصدق، وأن الممثل لا يؤدي الدور، بل يعيش داخله.

بأسلوبه المختلف وقدرته على بناء المشهد من الداخل إلى الخارج، صنع محمود لنفسه مكانة خاصة بين جيله، ليصبح من الأصوات المسرحية الشابة التي أثبتت أن الفن يمكن أن يكون طريقًا للنضج، لا مجرد وسيلة للشهرة.

 

عالم النفس خلف المايكروفون

 

وراء صوته الهادئ وحضوره الفني، كان هناك دائماً عقل يبحث عن المعنى الأعمق لكل ما يراه ويسمعه. من هنا بدأ محمود الدويك رحلته في عالم علم النفس، لا بدافع الفضول، بل من رغبة حقيقية في فهم الإنسان بكل ما يحمله من تناقضات.

 

لم يكتفِ بالقراءة أو النظريات، بل انغمس في التجربة. درس التنويم الإيحائي والبرمجة اللغوية العصبية (NLP)، وبدأ يطبّق ما تعلمه على أرض الواقع من خلال جلسات وجلسات حوارية معمّقة، تهدف إلى إعادة برمجة العقل وشفاء الوعي من داخله.

آمن أن العلاج لا يبدأ من الكلام، بل من الإصغاء، وأن الشفاء الحقيقي هو عندما يواجه الإنسان نفسه بصدق.

 

تكوّن لديه أسلوب فريد يجمع بين المنهج العلمي والدعم الإنساني، فكان يقدّم جلساته بلغة قريبة من القلب، تمزج بين العقل والعاطفة، بين التحليل والإحساس.

رؤيته كانت دائمًا أن النفس ليست لغزاً معقّداً، بل كائن يحتاج أن يُفهم، لا أن يُدان.

 

مع الوقت، أصبح محمود الدويك من الأصوات المؤثرة في مجال الوعي النفسي، يقدم محتوى وجلسات تفتح الأبواب أمام الناس لفهم ذواتهم بعمق وهدوء، ويربط بين التجربة الإنسانية والفكر العلمي بلغة واقعية حقيقية.

يرى أن علم النفس ليس تخصصاً جامداً، بل رسالة إنسانية عظيمة هدفها أن تعيد الإنسان إلى نفسه، وأن تعلّمه كيف يعيش بسلام داخلي دون أقنعة أو صراعات.

 

أسلوب محمود الدويك في العلاج النفسي قائم على الصدق، العمق، والإحساس.. يجعلك تفهم نفسك لا كحالة تحتاج علاجًا، بل كقصة تستحق أن تُروى.

 

الملكية الفكرية.. القانون بعيون المبدع

 

في مرحلة نضجه المهني، وجد محمود الدويك طريقاً مختلفاً يقوده إلى عالمٍ جديد من الإبداع المنظّم عالم الملكية الفكرية. هناك، اكتشف أن حماية الفكرة لا تقل جمالاً عن ابتكارها، وأن القانون في جوهره ليس مجرد مواد جامدة، بل درع يحافظ على نتاج العقل الإنساني ويصون تعب المبدعين.

عمل محمود الدويك كأخصائي علامات تجارية، فكان يرى في كل علامة مشروعاً يستحق أن يُولد بأمان. جمع بين دقة القانوني وحسّ الفنان، وبين منطق العقل وروح الإبداع. لم يتعامل مع الملفات كإجراءات روتينية، بل كحكايات تحمل وراءها طموحات لأشخاص سعوا ليتركوا بصمتهم في العالم.

خلال سنوات قليلة، أصبح من الأسماء الشابة الموثوقة في هذا المجال، عرفه عملاؤه بصدقه واحترافيته، وزملاؤه بتفانيه ودقته في كل ما يقدّمه. يرى أن الملكية الفكرية ليست مهنة فحسب، بل مسؤولية تجاه الفكرة، وأن حماية الإبداع هي الشكل الأرقى من الإبداع نفسه.

 

التعدد كقوة لا كتشتيت

يرفض محمود فكرة “التركيز في شيء واحد”، ويؤمن أن الإنسان مخلوق للتنوّع لا للحصر. في رأيه، التعدد لا يعني التشتت، بل يعني فهم الذات من زوايا مختلفة. يقول دائمًا إن الفن يزرع الحسّ، وعلم النفس يزرع الفهم، والقانون يزرع النظام والثلاثة معاً يصنعون إنساناً متوازناً يعرف كيف يعيش الحياة بمعناها الكامل.

 

رسالة محمود الدويك للشباب

 

يؤمن محمود أن الجيل الحالي يمتلك فرصاً لم تتوفر لغيره، لكن أغلبها يضيع بسبب الخوف من التجربة. وفي كلماته يقول:

“مش لازم تكون الأفضل، كفاية تكون الحقيقي. لأن الصدق هو اللي بيخلّد الإنسان حتى لو اختفى من الصورة.”

 

بهذه الفلسفة يسير محمود الدويك في طريقه بثبات، غير معنيّ بالسرعة أو التصفيق، بل بالرحلة نفسها؛ رحلة إنسان قرر أن يعيش كل ما يحب بصدقٍ واحد، وأن يجعل من التعدد هوية لا عبئاً.

 

محمود الدويك هو تجسيد لفكرة أن الإنسان لا يُختصر في مهنة، بل في شغف يعيش بداخله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى