النائب أحمد رسلان… مدرسة وطنية تتحدث فيها الأفعال دون ضجيج.
بقلم: د. مصطفى السنوسي
بعد تكريم مؤسسة الأهرام العريقة لسعادة النائب أحمد رسلان، شعرت أن الوقت قد حان لأسطر ما يجول بخاطري، لا مجاراة لحفاوة إعلامية مستحقة، بل إقرارًا بتجربة قيادية تستدعي التأمل والتسجيل.
فالرجل – في حضوره وممارسته – يقدّم نموذجًا مختلفًا لمن شغلوا مواقع التأثير البرلماني والتنظيمي، مزيجًا متوازنًا بين هدوء الشخصية وصلابة الموقف، وبين الانتماء الأصيل والبراعة في إدارة الواقع.
في كل محفل سياسي أو ساحة برلمانية، وفي دهاليز التنظيم الحزبي، يبرز أحمد رسلان كقيادي يمتلك من أدوات الفعل أكثر مما يمتلك من أدوات الاستعراض. فهو أمين تنظيم حزب الجبهة الوطنية، والنائب الأول لرئيس اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية، لكنه قبل كل ذلك، ابن بيئته، صعد من بين الناس وبقي قريبًا منهم، يحمل في شخصيته جذور القبيلة، وفي أدائه وعي الدولة.
لم تكن تجربة رسلان البرلمانية محصورة داخل حدود الداخل المصري، بل امتدت إلى الفضاء العربي حين فاز بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان العربي ممثلًا لمصر، في مشهد عكس حجم الثقة التي يحظى بها في الأوساط النيابية العربية، وقدرته على تمثيل المصالح الوطنية ضمن الإطار القومي الأوسع.
كما تولى رئاسة لجنة الشئون العربية بمجلس النواب المصري، وهي لجنة برلمانية ذات طبيعة خاصة، أعاد إليها زخمها ودورها، فكان صوته صوت عقل لا شعار، وممارسًا برلمانيًا يُدير ملف العلاقات العربية بوعي استراتيجي وتقدير لتحديات المرحلة.
ولأن تطوير العمل النيابي لا يأتي عبر الخطابات وحدها، فقد كان أحمد رسلان من بين القلائل الذين طرحوا مبادرات نوعية تستهدف هيكلة البرلمان نفسه. ومن أبرز مقترحاته دعوته إلى استحداث لجان نوعية جديدة داخل مجلس النواب، تشمل ملفات لم تكن ممثلة بوضوح رغم أهميتها، مثل: لجنة الأمن الوقائي والداخلي، ولجنة تنمية وتعمير المناطق الحدودية، ولجنة الشئون الإفريقية، ولجنة المرأة والطفل وذوي الإعاقة. وهي مقترحات تعكس فهمًا دقيقًا لأولويات الدولة وضرورات التحديث التشريعي والمؤسسي.
ولعل الجانب الأهم في مسيرته، هو قدرته على تحقيق التوازن بين الانتماء القبلي والعمل المؤسسي. لم يضع القبيلة في مواجهة الدولة، بل جعل من اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية صوتًا داعمًا للوطن، وشريكًا في تعزيز الوحدة الوطنية. إنه أحد القلائل الذين يملكون من الحكمة ما يجعلهم قريبين من قواعدهم دون أن يبتعدوا عن ضوابط الدولة ومؤسساتها.
أما على المستوى الشخصي، فيتميّز النائب أحمد رسلان بـ”الكاريزما الهادئة” التي لا تعتمد على الصخب، بل على الثقة. قليل الكلام، لكنه حين يتحدث يُنصت الجميع. حضوره يحجز له مقعدًا في قلب القرار، لا على هامشه. وهي سمة نادرة نلمحها في بعض السياسيين من طراز الراحل كمال الشاذلي، الذي عرف كيف يُدير من الخلف ويؤثّر في المقدمة.
وفي النهاية، فإن أحمد رسلان ليس بحاجة إلى من يمدحه، بل إلى من يقرأ تجربته قراءة موضوعية عادلة. فهو ليس من الساعين خلف الكاميرات، ولا من هواة التصريحات الجوفاء، لكنه حاضر بفاعلية في عمق التنظيم، وفي عقل الدولة، وفي ضمير من يعرف أن الثبات والاتزان أصبحا عملة نادرة في زمن الصخب والانفعال.
وفي ظل الأزمات الإقليمية الراهنة، والتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تزداد الحاجة إلى رص الصفوف وتكاتف الجهود خلف مؤسسات الدولة وقيادتها السياسية، حمايةً للاستقرار الوطني وصونًا لمكتسبات الدولة المصرية.
وفي مثل هذه اللحظات المفصلية، تبرز قيمة الرموز الوطنية الذين عُرفوا بثباتهم وولائهم، وكانوا دومًا سندًا للدولة لا عبئًا عليها.
ويأتي في مقدمة هؤلاء النائب أحمد رسلان، الذي أثبت عبر سنوات عمله السياسي والتنظيمي أنه من أشد الداعمين للدولة المصرية في وجه التحديات، حاضرًا في مواقف الشدّة، مدافعًا عن ثوابتها، وملتزمًا بنهجها في البناء والحفاظ على الهوية الوطنية.
زر الذهاب إلى الأعلى