حين تهتز الأرض: قراءة علمية لزلزال كريت 2025 وانعكاساته على مصر

بقلم: أ. مريم السوالمي
ملخص تنفيذي:
في صباح الثاني والعشرين من مايو 2025، سُجل زلزال متوسط القوة في شرق البحر المتوسط، تحديدًا بالقرب من جزيرة كريت، وقد شعر به سكان عدد من المدن المصرية. ورغم محدودية تأثيره المحلي، إلا أن هذا الحدث يستدعي قراءة معمقة لجيولوجية المنطقة، وتقييمًا لمدى استعداد البنية التحتية والمؤسسات المصرية لمواجهة مثل هذه الظواهر. يستعرض هذا المقال الأسباب التكتونية للزلزال، وسبل التوعية، والحلول المقترحة للحد من الأثر الزلزالي في المستقبل.
أولًا: الزلازل كظاهرة طبيعية جيولوجية
الزلزال هو تفريغ مفاجئ لطاقة تراكمت عبر الزمن على طول صدوع أو فوالق في القشرة الأرضية، نتيجة حركات الصفائح التكتونية. تنتشر الطاقة المنبعثة على شكل موجات زلزالية، تصل إلى سطح الأرض محدثة اهتزازات متفاوتة الشدة، تبعًا لموقع الزلزال وعمقه وطبيعة التكوينات الجيولوجية في المنطقة.
ثانيًا: الخصائص العلمية لزلزال 22 مايو 2025
وفقًا للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، وقعت الهزة الأرضية الساعة 6:19 صباحًا بتوقيت القاهرة، وحددت بياناتها كما يلي:
الموقع: شمال شرق جزيرة كريت
القوة: 6.24 درجة على مقياس ريختر
العمق: 68.91 كم
المسافة من مصر (مرسى مطروح): 499 كم تقريبًا
شعر سكان القاهرة الكبرى والدلتا والساحل الشمالي بالهزة، دون وقوع أضرار، مما يشير إلى امتداد تأثير الموجات الزلزالية عبر البحر المتوسط إلى الأراضي المصرية، وخاصة في المناطق ذات التربة الطينية أو البنية العمرانية المرتفعة.
ثالثًا: السياق الجيولوجي لنشاط البحر المتوسط
تقع مصر على الحافة الشمالية للصفيحة الأفريقية، والتي تتقاطع جيولوجيًا مع الصفيحة الأوراسية في نطاق يُعرف باسم “الحزام الزلزالي المتوسطي”، الممتد من المحيط الأطلسي إلى حدود آسيا. هذا التقاطع يولد طاقة تكتونية عالية تُصرف بشكل دوري على هيئة زلازل، خاصة في مناطق مثل كريت، قبرص، والأناضول، وهي نقاط تماس بين الصفائح.
https://www.facebook.com/share/1C7d662h83/
رابعًا: تأثيرات محتملة ومخاطر مستقبلية
رغم أن مصر ليست من الدول ذات النشاط الزلزالي المرتفع مقارنة بدول المحيط الهادئ، فإن وقوع زلازل متوسطة إلى قوية في المناطق المحيطة يمكن أن يسبب:
اهتزازات محسوسة في المناطق الساحلية والعمرانية ذات التربة اللينة.
أضرارًا في المباني غير المؤهلة هندسيًا لمقاومة الزلازل.
اضطرابات في شبكات المياه، الكهرباء، والاتصالات.
احتمالات انهيارات جزئية أو شروخ في البنية التحتية.
خامسًا: السلوك الأمثل أثناء وقوع الزلزال
الاستجابة الصحيحة أثناء الزلزال قد تنقذ الأرواح وتحدّ من الإصابات. وفيما يلي السلوكيات العلمية المعتمدة:
انخفض، غطِّ، وتمسّك: انخفض إلى الأرض فورًا، احتمِ تحت أثاث ثابت، وامسك به حتى يتوقف الاهتزاز.
ابتعد عن النوافذ والأجسام القابلة للسقوط.
لا تستخدم المصاعد.
إن كنت خارج المنزل: اتجه إلى منطقة مفتوحة بعيدًا عن المباني وأعمدة الكهرباء.
إن كنت تقود: أوقف السيارة بعيدًا عن الجسور والأنفاق، وابقَ بداخلها حتى انتهاء الهزة.
بعد انتهاء الزلزال: افحص المكان، تحقق من تسربات الغاز أو الكهرباء، وتابع الإرشادات الرسمية.
سادسًا: استراتيجيات الوقاية والتأهب في مصر
لضمان الحد من مخاطر الزلازل، يُقترح تبنّي السياسات التالية:
1. تحديث كود البناء المصري ليتوافق مع معايير الزلازل الدولية، خاصة في المناطق الساحلية.
2. تعزيز شبكة الرصد الزلزالي وزيادة عدد المحطات المرتبطة بالمركز القومي للزلازل.
3. إدخال برامج التوعية المجتمعية في المدارس والجامعات حول الاستجابة للكوارث الطبيعية.
4. إعداد خطط طوارئ وطنية تشمل تدريبات عملية للجهات المعنية والمواطنين.
5. تشجيع البحث العلمي في مجالات الجيوفيزياء والهندسة الزلزالية.
سابعًا: توصيات استراتيجية للمستقبل
تطوير تطبيقات رقمية للإنذار المبكر مدمجة مع نظم تحديد المواقع الجغرافية.
دعم مراكز الأبحاث الوطنية لتطوير خرائط خطر زلزالي محدثة لمصر.
إطلاق حملات وطنية لنشر ثقافة التعامل مع الكوارث الطبيعية.
تشجيع شراكات إقليمية مع دول البحر المتوسط لتبادل البيانات الزلزالية والتحذيرية.
—
خاتمة:
إن زلزال كريت 2025، رغم كونه متوسط القوة وبعيد المركز، يعكس الحاجة الملحة إلى التحول من منطق ردّ الفعل إلى منهج الوقاية والتخطيط. فبينما لا يمكننا إيقاف الزلازل، يمكننا تقليل أثرها بتطبيق العلم، وتفعيل وعي المجتمع، ورفع كفاءة البنية المؤسسية. ومن هنا، فإن الاهتمام العلمي بهذه الظواهر هو ركيزة لبناء مستقبل آمن ومستقر.
—
بقلم: أ. مريم السوالمي
مؤلفة، وكاتبة، وناقدة، ومعلمة لغة عربية للمرحلة الثانوية
خريجة جامعة عين شمس
حاصلة على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس – قسم اللغة العربية وآدابها
كتبت العديد من المقالات الأدبية والنقدية والعلمية (المتخصصة في الكوارث الطبيعية)، وعدد من المقالات الثقافية والتوعوية والمعرفية، سعيًا لرفع الوعي المجتمعي، ونشر ثقافة العلم والتقدّم، وبناء مجتمع أكثر رُقيًا ووعيًا.