أخبارمنوعات

الدكتور مجدي كامل الهواري يكتب : كيف تحتل الدول بدون حروب؟

 

في العصر الحديث، لم تعد الجيوش وحدها هي التي تصنع الاحتلال عن طريق الحروب و القتال .
بل ظهرت وسائل جديدة أكثر ذكاء، وأقل تكلفة، تستخدم للسيطرة على الدول دون إطلاق رصاصة واحدة ، إنها أدوات الاحتلال الناعم، التي تغزو العقول والاقتصاد والثقافة والسكان، و تفكك الدول من الداخل . فكيف يحدث هذا النوع من الاحتلال؟ يحدث بسبب ما يلى ..

1. الاقتصاد : الاستعمار العصري

أصبح المال أحد أخطر أسلحة السيطرة. فعندما تُغرق دولةٌ ما دولةً أخرى بالقروض والمشاريع والاستثمارات، تبدأ الأخيرة في الاعتماد الكامل عليها. ومع الوقت، تفقد الدولة المتلقية استقلال قرارها، لأنها ببساطة لا تستطيع رفض أو معارضة من يموّلها.

2. الثقافة والإعلام : غزو ناعم للعقول

تنتشر ثقافات الدول القوية حول العالم من خلال الأفلام، المسلسلات، منصات التواصل الاجتماعي، وحتى أسلوب الحياة. ومع الوقت، يبدأ الجيل الجديد في الدول المستهدفة بتقليد هذه الثقافات، مما يؤدي إلى تآكل الهوية الوطنية، وضعف الانتماء، وتبني أفكار وسلوكيات لا تشبه مجتمعه الأصلي.

3. التعليم والمعرفة: إعادة تشكيل العقول

تتحكم بعض الدول الكبرى في المناهج الدراسية والجامعات في دول أخرى، إما عبر تمويلها أو تصدير محتوى تعليمي جاهز. وهكذا، تتم “برمجة” الأجيال القادمة على رؤية معينة للعالم، تُخدم مصالح الخارج على حساب مصالح الوطن.

4. التكنولوجيا والبيانات: الاحتلال غير المرئي

في زمن الذكاء الاصطناعي، من يمتلك البيانات يملك القوة. الشركات الكبرى والدول المالكة للتكنولوجيا تجمع كمًا هائلًا من البيانات عن الأفراد والدول، وتستطيع من خلالها التأثير على الرأي العام، وتوجيه السياسات، وحتى زعزعة الاستقرار.

5. التحالفات الدولية المشروطة : قيد السيادة

تُفرض على بعض الدول الصغيرة تحالفات أمنية أو اقتصادية مقابل الدعم أو الحماية. ومع الوقت، تتحول هذه التحالفات من تعاون إلى تبعية. تفقد الدولة حريتها في اتخاذ القرار، لأن عليها دائمًا مراعاة مصالح «الحليف الأكبر».

6. موجات اللاجئين : تغيير سكاني ضاغط

الهجرة الجماعية واللجوء، وإن كانت في ظاهرها أزمة إنسانية، إلا أنها قد تُستخدم كأداة لتغيير التركيبة السكانية والسيطرة غير المباشرة على الدول المستضيفة.

مثال «مصر» :
تستضيف مصر ملايين اللاجئين من السودان، سوريا، ليبيا، اليمن، والعراق. هذا التواجد الكثيف له آثار مباشرة و غير مباشرة على :
البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، سوق العمل، خصوصًا في المهن غير الرسمية، النسيج الاجتماعي والثقافي في بعض المناطق ، احتمالية استغلال هذه الكتلة السكانية سياسيا” أو إعلاميا”
ورغم أن مصر احتضنت هؤلاء اللاجئين بدوافع إنسانية وتاريخية، إلا أن هذا التواجد الكبير يفرض تحديات داخلية لا يمكن تجاهلها.

7. التركز السكاني من جنسية واحدة : نموذج «الإمارات والهند»

في بعض الدول، يؤدي التواجد الكبير لمواطني دولة معينة إلى خلق حالة من التأثير غير المباشر على القرار الوطني. على سبيل المثال، في دولة مثل «الإمارات»، يشكل الهنود واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية و السكانية حيث يتجاوز عددهم 70% من التعداد السكانى الموجود بالدوله ، و يسيطرون على قطاعات اقتصادية وخدمية حيوية و تجارية و مالية ، و هذا التواجد المكثف يجعل من الصعب تجاهل مصالحهم عند اتخاذ قرارات داخلية، وهو شكل غير معلن من النفوذ والتأثير الداخلى للبلاد .

احتلال بلا جيوش… ولكن بآثار أعمق

الاحتلال لم يعد يُقاس بمساحة الأرض التي تُحتل، بل بعمق التأثير على القرار والسيادة والهوية. الاحتلال الناعم أخطر لأنه صامت، يتسلل دون مقاومة، ويمتد في كل زاوية من الدولة، من الاقتصاد وحتى عقول الأطفال. ومواجهته تبدأ بالوعي، ثم بوضع استراتيجيات تحفظ استقلال الدول من الداخل قبل الخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى